فصل: هلاك فرعون وجنوده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل‏:‏

ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل، وأسلم السحرة الذين استنصروا ربهم، لم يزدهم ذلك إلا كفراً وعناداً وبعداً عن الحق‏.‏

قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف‏:‏

{‏وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 127-129‏]‏‏.‏

يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون وهم‏:‏ الأمراء، والكبراء، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى‏.‏

قالوا‏:‏ ‏{‏أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ‏}‏ يعنون - قبحهم الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة ما سواه، فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط - لعنهم الله -

وقرأ بعضهم‏:‏ ‏(‏وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ‏)‏ أي‏:‏ وعبادتك‏.‏ ويحتمل شيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ ويذر دينك وتقويه القراءة الأخرى، الثاني‏:‏ ويذر أن يعبدك، فإنه كان يزعم أنه إله لعنه الله‏.‏

{‏قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ‏}‏ أي‏:‏ لئلا يكثر مقاتلتهم‏.‏

{‏وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ غالبون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 300‏)‏

{‏قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ إذا هموا همَّ بأذيتكم، والفتك بكم، فاستعينوا أنتم بربكم، واصبروا على بليتكم‏.‏

{‏إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ فكونوا أنتم المتقين لتكون لكم العاقبة‏.‏

كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84-86‏]‏‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏{‏قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا‏}‏ أي‏:‏ قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك، وبعد مجيئك إلينا‏.‏

{‏قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 129‏]‏‏.‏

وقال الله تعالى في سورة حم المؤمن‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 23-24‏]‏‏.‏

وكان فرعون الملك، وهامان الوزير، وكان قارون إسرائيلياً من قوم موسى، إلا أنه كان على دين فرعون وملائه، وكان ذا مال جزيل جداً كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

{‏فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 25‏]‏ وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة، والإذلال، والتقليل لملأ بني إسرائيل، لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها، وكانت القبط منهم يحذرون فلم ينفعهم ذلك، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون‏.‏

{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 26‏]‏ ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم‏:‏ صار فرعون مذكراً، وهذا منه، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى عليه السلام‏.‏

{‏وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 27‏]‏ أي‏:‏ عذت بالله، ولجأت إليه بجنابه، من أن يسطو فرعون وغيره على بسوء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ‏}‏ أي‏:‏ جبار عنيد، لا يرعوي ولا ينتهي ولا يخاف عذاب الله وعقابه، لأنه لا يعتقد معاداً ولا جزاء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 301‏)‏‏.‏

‏{‏وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 28-29‏]‏

وهذا الرجل هو ابن عم فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه، خوفاً منهم على نفسه‏.‏ وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيلياً، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظاً ومعنى، والله أعلم‏.‏

قال ابن جريج‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، والذي جاء من أقصى المدينة، وامرأة فرعون‏.‏

رواه ابن أبي حاتم‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون‏.‏ حكاه السهيلي، وفي تاريخ الطبراني أن اسمه خير‏.‏ فالله أعلم‏.‏

والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه، فلما همّ فرعون - لعنه الله - بقتل موسى عليه السلام، وعزم على ذلك وشاور ملائه فيه، خاف هذا المؤمن على موسى، فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب، فقال على وجه المشورة والرأي‏.‏

وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا من أعلى مراتب هذا المقام، فإن فرعون لأشد جوراً منه، وهذا الكلام لا أعدل منه، لأن فيه عصمة نبي، ويحتمل أنه كاشفهم بإظهار إيمانه وصرح لهم بما كان يكتمه، والأول أظهر‏.‏ والله أعلم‏.‏

{‏أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ من أجل أنه قال ربي الله فمثل هذا لا يقابل بهذا، بل بالإكرام والاحترام والموادعة، وترك الانتقام يعني لأنه ‏{‏وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله‏.‏

فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه ‏{‏وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ‏}‏ ولا يضركم ذلك‏.‏ ‏{‏وَإِنْ يَكُ صَادِقاً‏}‏ وقد تعرضتم له ‏{‏يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ وأنتم تشققون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به، فكيف بكم إن حل جميعه عليكم‏.‏

وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 302‏)‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 29‏]‏ يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرض الدول للدين إلا سلبوا ملكهم، وذلوا بعد عزهم، وكذا وقع لآل فرعون ما زالوا في شك وريب، ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه، من الملك والأملاك، والدور والقصور، والنعمة والحبور‏.‏

ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة، إلى أسفل السافلين، ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق، البار الراشد التابع للحق، الناصح لقومه، الكامل العقل‏:‏ ‏{‏يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ عالين على الناس حاكمين عليهم‏.‏

{‏فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا‏}‏ أي‏:‏ لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة، والقوة والشدة لما نفعنا ذلك، ولا رد عنا بأس مالك الممالك‏.‏

‏{‏قَالَ فِرْعَوْنُ‏}‏ أي‏:‏ في جواب هذا كله ‏{‏مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى‏}‏ أي‏:‏ ما أقول لكم إلا ما عندي، ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ وكذب في كل من هذين القولين، وهاتين المقدمتين، فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه، أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة، وإنما كان يظهر خلافه بغياً وعدواناً وعتواً وكفراناً‏.‏

قال الله تعالى إخباراً عن موسى‏:‏

‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُوراً * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 102-104‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 13-14‏]‏‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏ فقد كذب أيضاً، فإنه لم يكن على رشاد من الأمر، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال، فكان أولاً ممن يعبد الأصنام والأمثال، ثم دعا قومه الجهلة الضلال، إلى أن اتبعوه وطاوعوه وصدقوه فيما زعم من الكفر المحال، في دعواه أنه رب، تعالى الله ذو الجلال‏.‏

قال الله تعالى‏:‏

‏{‏وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 51-56‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 20-26‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 96-99‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 303‏)‏

والمقصود بيان كذبه في قوله‏:‏ ‏{‏مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى‏}‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ‏}‏‏.‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 30-35‏]‏‏.‏

يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى، أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم، من النقمات والمثلات مما تواتر عندهم وعند غيرهم، ما حل بقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك، مما أقام به الحجج على أهل الأرض قاطبة، في صدق ما جاءت به الأنبياء، لما أنزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء، وخوفهم يوم القيمة - وهو يوم التناد -‏.‏

أي‏:‏ حين ينادي الناس بعضهم بعضاً حين يولون مدبرين إن قدروا على ذلك ولا إلى ذلك سبيل‏.‏ ‏{‏يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 10-12‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 33-36‏]‏‏.‏

وقرأ بعضهم‏:‏ ‏(‏يوم التناد‏)‏ بتشديد الدال، أي‏:‏ يوم الفرار‏.‏ ويحتمل أن يكون يوم القيامة، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس فيودون الفرار، ولات حين مناص‏.‏

{‏فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 12-13‏]‏ ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر، ما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم، وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وأن لا يشركوا به أحداً من بريته‏.‏

وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان أي‏:‏ من سجيتهم التكذيب بالحق، ومخالفة الرسل ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 34‏]‏ أي وكذبتم في هذا، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 34-35‏]‏‏.‏

أي‏:‏ يريدون حجج الله وبراهينه، ودلائل توحيده بلا حجة ولا دليل عندهم من الله، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت، أي‏:‏ يبغض من تلبس به من الناس، ومن اتصف به من الخلق ‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}‏ قرىء بالإضافة وبالنعت، وكلاهما متلازم‏.‏ أي‏:‏ هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه إلا بلا برهان - فإن الله يطبع عليها أي‏:‏ يختم عليها بما فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 304‏)‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 36-37‏]‏‏.‏

كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن الله أرسله، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه في قوله لهم‏:‏ ‏{‏مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وقال ههنا‏:‏ ‏{‏لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ أي‏:‏ طرقها ومسالكها‏.‏ ‏{‏فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً‏}‏ ويحتمل هذا معنيين‏:‏

أحدهما‏:‏ وإني لأظنه كاذباً في قوله‏:‏ إن للعالم رباً غيري‏.‏

والثاني‏:‏ في دعواه أن الله أرسله‏.‏

والأول أشبه بظاهر حال فرعون فإنه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع، والثاني أقرب إلى اللفظ حيث قال‏:‏ فأطلع إلى إله موسى أي‏:‏ فأسأله هل أرسله أم لا‏.‏

{‏وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً‏}‏ أي‏:‏ في دعواه ذلك، وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام، وأن يحثهم على تكذيبه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 37‏]‏ وقرئ‏:‏ وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب‏.‏

قال ابن عباس، ومجاهد يقول‏:‏ إلا في خسار أي‏:‏ باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا، أعني السماء الدنيا، فكيف بما بعدها من السموات العلى‏؟‏ وما فوق ذلك من الارتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل‏.‏

وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح، وهو القصر الذي بناه وزيره هامان له لم يرَ بناء أعلى منه، وإن كان مبنياً من الآجر المشوي بالنار‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً‏}‏‏[‏القصص‏:‏ 38‏]‏‏.‏

وعند أهل الكتاب أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه، ويطلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه، وإلا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة، وأوذوا غاية الأذية‏.‏

ولهذا قالوا لموسى‏:‏ ‏{‏أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط، وكذلك وقع، وهذا من دلائل النبوة‏.‏ ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 305‏)‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 38-40‏]‏‏.‏

يدعوهم رضي الله عنه إلى طريق الرشاد والحق، وهي متابعة نبي الله موسى وتصديقه فيما جاء به من ربه، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة، ورغبهم في طلب الثواب عند الله، الذي لا يضيع عمل عامل لديه، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه، الذي يعطي على القليل كثيراً، ومن عدله لا يجازي على السيئة إلا مثلها‏.‏

وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار، التي من وافاها - مؤمناً قد عمل الصالحات - فلهم الجنات العاليات، والغرف الآمنات، والخيرات الكثيرة الفائقات، والأرزاق الدائمة التي لا تبيد، والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد‏.‏

ثم شرع في إبطال ما هم عليه، وتخويفهم مما يصيرون إليه فقال‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 41-46‏]‏‏.‏

كان يدعوهم إلى عبادة رب السموات والأرض، الذي يقول للشيء كن فيكون، وهم يدعونه إلى عبادة فرعون الجاهل الضال الملعون‏.‏

ولهذا قال لهم على سبيل الإنكار‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ‏}‏‏.‏

ثم بين لهم بطلان ما هم عليه من عبادة ما سوى الله من الأنداد والأوثان، وأنها لا تملك من نفع ولا إضرار، فقال‏:‏ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ‏}‏ أي‏:‏ لا تملك تصرفاً ولا حكماً في هذه الدار، فكيف تملكه يوم القرار‏؟‏

وأما الله عز وجل، فإنه الخالق الرازق للأبرار والفجار، وهو الذي أحيا العباد ويميتهم ويبعثهم، فيدخل طائعهم الجنة، وعاصيهم إلى النار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 306‏)‏

ثم توعدهم إن هم استمروا على العناد بقوله‏:‏ ‏{‏فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ‏}‏‏.‏

قال الله‏:‏ ‏{‏فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا‏}‏ أي‏:‏ بإنكاره سلم مما أصابهم من العقوبة على كفرهم بالله، ومكرهم في صدهم عن سبيل الله، مما أظهروا للعامة من الخيالات والمحالات، التي ألبسوا بها على عوامهم وطغامهم‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَحَاقَ‏}‏ أي‏:‏ أحاط ‏{‏بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً‏}‏ أي‏:‏ تعرض أرواحهم في برزخهم صباحاً ومساء على النار‏.‏ ‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ‏}‏ وقد تكلمنا على دلالة هذه الآية على عذاب القبر في التفسير‏.‏ ولله الحمد‏.‏

والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم، وإرسال الرسول إليهم، وإزاحة الشبه عنهم، وأخذ الحجة عليهم منهم، فبالترهيب تارة، والترغيب أخرى، كما قال تعالى‏:‏

{‏وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 130-133‏]‏‏.‏

يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون، وهم قومه من القبط بالسنين وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع، ولا ينتفع بضرع‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏}‏ وهي‏:‏ قلة الثمار من الأشجار‏.‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‏}‏ أي‏:‏ فلم ينتفعوا ولم يرعوا، بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم، ‏{‏فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ‏}‏ والخصب ونحوه ‏{‏قَالُوا لَنَا هَذِهِ‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي نستحقه، وهذا الذي يليق بنا‏.‏

{‏وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ‏}‏ أي‏:‏ يقولون هذا بشؤمهم أصابنا هذا، ولا يقولون في الأول أنه بركتهم وحسن مجاورتهم لهم، ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق، إذا جاء الشر أسندوه إليه، وإن رأوا خيراً ادعوه لأنفسهم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء‏.‏ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

{‏وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ مهما جئتنا به من الآيات - وهي الخوارق للعادات - فلسنا نؤمن بك، ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية‏.‏

وهكذا أخبر الله عنهم في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 96-97‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 307‏)‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 133‏]‏‏.‏

أما الطوفان فعن ابن عباس‏:‏ هو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار‏.‏ وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والضحاك‏.‏

وعن ابن عباس، وعطاء‏:‏ هو كثرة الموت‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ الطوفان الماء، والطاعون على كل حال‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ أمر طاف بهم‏.‏

وقد روى ابن جرير، وابن مردويه، من طريق يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن الحجاج، عن الحكم بن مينا، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏الطوفان الموت‏)‏‏)‏‏.‏

وهو غريب‏.‏

وأما الجراد‏:‏ فمعروف‏.‏

وقد روى أبو داود، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي قال‏:‏ سئل رسول الله عن الجراد فقال‏:‏

‏(‏‏(‏أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه‏)‏‏)‏‏.‏

وترك النبي صلى الله عليه وسلم أكله إنما هو على وجه التقذر له، كما ترك أكل الضـب، وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث، لما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد‏.‏

وقد تكلمنا على ما ورد فيه من الأحاديث والآثار في التفسير‏.‏

والمقصود أنه استاق خضراءهم، فلم يترك لهم زرعاً ولا ثماراً ولا سبدا ولا لبداً‏.‏

وأما القمل‏:‏ فعن ابن عباس‏:‏ هو السوس الذي يخرج من الحطنة، وعنه‏:‏ أنه الجراد الصغار الذي لا أجنحة له‏.‏ وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة‏.‏

وقال سعيد بن جبير، والحسن‏:‏ هو دواب سود صغار‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ القمل‏:‏ هي البراغيث‏.‏

وحكى ابن جرير عن أهل العربية‏:‏ أنها الحمنان‏:‏ وهو صغار القردان -فوق القمقامة - فدخل معهم البيوت والفرش، فلم يقر لهم قرار، ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش‏.‏

وفسره عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف، وقرأها الحسن البصري كذلك بالتخفيف‏.‏

وأما الضفادع فمعروفة لبستهم حتى كانت تسقط في أطعماتهم وأوانيه، حتى إن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب سقطت في فيه ضفدعة من تلك الضفادع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 308‏)‏

وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به، فلا يستقون من النيل شيئاً إلا وجدوه دماً عبيطاً، ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دماً في الساعة الراهنة، هذا كله لم ينل بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية، وهذا من تمام المعجزة الباهرة، والحجة القاطعة، أن هذا كله يحصل لهم من فعل موسى عليه السلام، فينالهم عن آخرهم، ولا يحصل هذا لأحد من بني إسرائيل وفي هذا أدل دليل‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مفلولاً، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر وتابع الله عليه بالآيات، فأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم آيات مفصلات، فأرسل الطوفان‏:‏ وهو الماء ففاض على وجه الأرض ثم ركد، لا يقدرون على أن يخرجوا ولا أن يعملوا شيئاً، حتى جهدوا جوعاً‏.‏

فلما بلغهم ذلك قالوا يا موسى‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 134‏]‏ فدعا موسى ربه فكشفه عنهم، فلما لم يفوا له بشيء فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر فيما بلغني حتى أن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمل‏.‏

فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم‏.‏

فلما لم يفوا له بشيء مما قالوا، أرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلم يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلب عليه، فلما جهدهم ذلك، قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً‏.‏

وقال زيد بن أسلم‏:‏ المراد بالدم الرعاف‏.‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 134-136‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 309‏)‏

يخبر تعالى عن كفرهم، وعتوهم، واستمرارهم على الضلال والجهل، والاستكبار عن إتباع آيات الله، وتصديق رسوله، مع ما أيد به من الآيات العظيمة الباهرة، والحجج البليغة القاهرة، التي أراهم الله إياها عياناً، وجعلها عليهم دليلاً وبرهاناً‏.‏

وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدهم وأضنكهم، حلفوا وعاهدوا موسى، لئن كشف عنهم هذه ليؤمنن به، وليرسلن معه من هو من حزبه، فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق، ولم يلتفتوا إليه، فيرسل الله عليهم آية أخرى، هي أشد مما كانت قبلها وأقوى، فيقولون فيكذبون، ويعدون ولا يفون، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل‏.‏

ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل هذا، والعظيم الحليم القدير ينظرهم، ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم، ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم، والإنذار إليهم أخذ عزيز مقتدر، فجعلهم عبرة ونكالاً وسلفاً لمن أشبههم من الكافرين، ومثلاً لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين، كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين، في سورة حم والكتاب المبين‏:‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا أسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 46-56‏]‏‏.‏

يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم، إلى فرعون الخسيس اللئيم، وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات، تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق، وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر، ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم، فإذا هم منها يضحكون، وبها يستهزئون، وعن سبيل الله يصدون، وعن الحق ينصرفون، فأرسل الله عليهم الآيات تترى، يتبع بعضها بعضاً، وكل آية أكبر من التي تتلوها، لأن التوكيد أبلغ مما قبله‏:‏

‏{‏وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ‏}‏ لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نقصاً ولا عيباً، لأن علماءهم في ذلك الوقت هم السحرة، ولهذا خاطبوه به في حال احتياجهم إليه وضراعتهم لديه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ‏}‏‏.‏

ثم أخبر تعالى عن تبجح فرعون بملكه، وعظمة بلده وحسنها، وتخرق الأنهار فيها، وهي الخلجانات التي يكسرونها أمام زيادة النيل، ثم تبجح بنفسه وحليته، وأخذ يتنقص رسول الله موسى عليه السلام، ويزدريه بكونه ‏{‏وَلَا يَكَادُ يُبِينُ‏}‏ يعني‏:‏ كلامه، بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة، التي هي شرف له، وكمال، وجمال‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 310‏)‏

ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه، وأنزل بعد ذلك التوراة عليه، وتنقصه فرعون - لعنه الله - بكونه لا أساور في بدنه، ولا زينة عليه، وإنما ذلك من حلية النساء، لا يليق بشهامة الرجال، فكيف بالرسل الذين هم أكمل عقلاً، وأتم معرفة، وأعلى همة، وأزهد في الدنيا، وأعلم بما أعد الله لأوليائه في الأخرى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ‏}‏ لا يحتاج الأمر إلى ذلك، إن كان المراد أن تعظمه الملائكة، فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون موسى عليه السلام بكثير، كما جاء في الحديث‏:‏

‏(‏‏(‏إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يصنع‏)‏‏)‏‏.‏

فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم لموسى الكليم عليه الصلاة والتسليم والتكريم‏.‏

وإن كان المراد شهادتهم له بالرسالة، فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعاً لذوي الألباب، ولمن قصد إلى الحق والصواب، ويعمى عما جاء به من البينات، والحجج الواضحات، من نظر إلى القشور، وترك لب اللباب، وطبع على قلبه رب الأرباب، وختم عليه بما فيه من الشك والارتياب، كما هو حال فرعون القبطي العمي الكذاب‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ‏}‏ أي‏:‏ استخف عقولهم، ودرجهم من حال إلى حال، إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية، لعنه الله وقبحهم‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ‏}‏‏.‏

‏{‏فَلَمَّا أسَفُونَا‏}‏ أي‏:‏ أغضبونا ‏{‏انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ بالغرق، والإهانة، وسلب العز، والتبدل بالذل، وبالعذاب بعد النعمة، والهوان بعد الرفاهية، والنار بعد طيب العيش، عياذاً بالله العظيم، وسلطانه القديم من ذلك‏.‏

{‏فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً‏}‏ أي‏:‏ لمن اتبعهم في الصفات ‏{‏وَمَثَلاً‏}‏ أي‏:‏ لمن اتعظ بهم، وخاف من وبيل مصرعهم، ممن بلغه جليه خبرهم، وما كان من أمرهم، كما قال الله تعالى‏:‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 36-42‏]‏‏.‏

يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق، وادعى ملكهم الباطل، ووافقوه عليه وأطاعوه فيه، اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع عليهم، فانتقم منهم أشد الانتقام، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة، فلم يفلت منهم أحد، ولم يبق منهم ديار، بل كل قد غرق فدخل النار، وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود، ويوم القيامة هم من المقبوحين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 311‏)‏

 هلاك فرعون وجنوده

لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم، متابعة لملكهم فرعون، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام، وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة، وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول، وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون، ولا ينزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليل‏.‏

قيل‏:‏ ثلاثة وهم‏:‏

امرأة فرعون، ولا علم لأهل الكتاب بخبرها‏.‏

ومؤمن آل فرعون، الذي تقدم حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم‏.‏

والرجل الناصح، الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال‏:‏ ‏{‏يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 30‏]‏ قاله ابن عباس، فيما رواه ابن أبي حاتم عنه، ومراده غير السحرة، فإنهم كانوا من القبط‏.‏

وقيل‏:‏ بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون، والسحرة كلهم، وجميع شعب بني إسرائيل‏.‏ ويدل على هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 83‏]‏‏.‏

فالضمير في قوله‏:‏ ‏{‏إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ‏}‏ عائد على فرعون، لأن السياق يدل عليه‏.‏ وقيل‏:‏ على موسى لقربه، والأول أظهر، كما هو مقرر في التفسير‏.‏

وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته، وجبروته، وسلطته، ومن ملائهم أن ينموا عليهم إليه، فيفتنهم عن دينهم، قال الله تعالى مخبراً عن فرعون وكفى بالله شهيداً‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ جبار، عنيد، مستعل بغير الحق ‏{‏وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ‏}‏ أي‏:‏ في جميع أموره، وشؤونه، وأحواله، ولكنه جرثومة قد حان إنجعافها، وثمرة خبيثة قد آن قطافها، ومهجة ملعونة قد حتم إتلافها‏.‏

وعند ذلك قال موسى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84-86‏]‏‏.‏

يأمرهم بالتوكل على الله، والاستعانة به، والالتجاء إليه، فأتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجاً ومخرجاً‏.‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 87‏]‏‏.‏

أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام، أن يتخذوا لقومهما بيوتاً متميزة، فيما بينهم عن بيوت القبط، ليكونوا على أهبة في الرحيل إذا أمروا به، ليعرف بعضهم بيوت بعض‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 312‏)‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏‏:‏

قيل‏:‏ مساجد‏.‏

وقيل‏:‏ معناه كثرة الصلاة فيها، قاله مجاهد، وأبو مالك، وإبراهيم النخعي، والربيع، والضحاك، وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن، وغيرهم‏.‏

ومعناه على هذا‏:‏ الاستعانة على ما هم فيه من الضر، والشدة، والضيق بكثرة الصلاة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 45‏]‏، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى‏.‏

وقيل‏:‏ معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم، عوضاً عما فاتهم من إظهار شعار الدين الحق، في ذلك الزمان الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفاً من فرعون وملائه‏.‏ والمعنى الأول أقوى، لقوله‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ وإن كان لا ينافي الثاني أيضا، والله أعلم‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ أي‏:‏ متقابلة‏.‏

‏{‏وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ أتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 88-89‏]‏‏.‏

هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون، غضباً لله عليه، لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي، والبرهان القطعي، فقال‏:‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ أتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ‏}‏ يعني‏:‏ قومه من القبط، ومن كان على ملته ودان بدينه‏.‏

{‏زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ‏}‏ أي‏:‏ وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا، فيحسب الجاهل أنهم على شيء، لكون هذه الأموال، وهذه الزينة من اللباس، والمراكب الحسنة الهنية، والدور الأنيقة، والقصور المبنية، والمآكل الشهية، والمناظر البهية، والملك العزيز، والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين‏.‏

{‏رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ‏}‏ قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ أي أهلكها‏.‏

وقال أبو العالية، والربيع بن أنس، والضحاك‏:‏ اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت‏.‏

وقال قتادة‏:‏ بلغنا أن زروعهم و أموالهم صارت حجارة‏.‏

وقال محمد بن كعب‏:‏ جعل سكرهم حجارة، وقال أيضاً‏:‏ صارت أموالهم كلها حجارة‏.‏ ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز، فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له‏:‏

قم إيتني بكيس، فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة‏.‏

رواه ابن أبي حاتم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي اطبع عليها، وهذه دعوة غضب لله تعالى، ولدينه، ولبراهينه‏.‏

فاستجاب الله تعالى لها، وحققها وتقبلها، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 26-27‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 313‏)‏

ولهذا قال تعالى مخاطباً لموسى حين دعا على فرعون وملائه، وأمَّن أخوه هارون على دعائه، فنزل ذلك منزلة الداعي أيضاً‏:‏ ‏{‏قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 88‏]‏‏.‏

قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب‏:‏ استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج، وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر، مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم، ويخرجوا عنهم، وأمرهم الله تعالى فيما ذكره أهل الكتاب، أن يستعيروا حلياً منهم، فأعاروهم شيئاً كثيراً‏.‏

فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم‏.‏ وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده، ليلحقهم ويمحقهم، قال الله تعالى‏:‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 52- 68‏]‏‏.‏

قال علماء التفسير‏:‏ لما ركب فرعون في جنوده طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم، حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف، فالله أعلم‏.‏

وقيل‏:‏ إن بني إسرائيل كانوا نحواً من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية، وكان بين خروجهم من مصر صحبة موسى عليه السلام، ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستاً وعشرين سنة شمسية‏.‏

والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس، وتراءى الجمعان، ولم يبق ثَم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون‏:‏ إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه‏.‏

وهذا ما لا يستطيعه أحد، ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم، وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده، وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمنكر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 314‏)‏

فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه، فقال لهم الرسول الصادق المصدوق‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏}‏ وكان في الساقة، فتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر، وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زبد أجاجه، وهو يقول‏:‏ ههنا أمرت، ومعه أخوه هرون، ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل، وعلمائهم، وعبَّادهم الكبار‏.‏ وقد أوحى الله إليه، وجعله نبياً بعد موسى وهرون عليهما السلام، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله‏.‏

ومعهم أيضاً‏:‏ مؤمن آل فرعون، وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف، ويقال‏:‏ إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مراراً في البحر، هل يمكن سلوكه فلا يمكن، ويقول لموسى عليه السلام‏:‏ يا نبي الله أههنا أمرت‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏

فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم‏:‏ وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلى موسى الكليم‏:‏ ‏{‏أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ‏}‏ فلما ضربه‏:‏

يقال‏:‏ إنه قال له‏:‏ انفلق بإذن الله، ويقال‏:‏ إنه كناه بأبي خلد، فالله أعلم‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 63‏]‏‏.‏

ويقال‏:‏ إنه انفلق اثنتي عشرة طريقاً، لكل سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل‏:‏ إنه صار أيضاً شبابيك ليرى بعضهم بعضاً، وفي هذا نظر، لأن الماء جرم شفاف إذا كان من وارئه ضياء حكاه‏.‏ وهكذا كان ماء البحر قائماً مثل الجبال، مكفوفاً بالقدرة العظيمة، الصادرة من الذي يقول للشيء‏:‏ كن فيكون‏.‏

وأمر الله ريح الدبور، فلقحت حال البحر، فأذهبته حتى صار يابساً لا يعلق في سنابك الخيول والدواب‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 77-79‏]‏‏.‏

والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال، بإذن الرب العظيم، الشديد المحال، أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين، وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين‏.‏

فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه، ووفودهم عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، ليرجع كما كان عليه، لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال‏:‏

{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ * وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 17-33‏]‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 315‏)‏‏.‏

فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً‏}‏ أي‏:‏ ساكناً على هيئته، لا تغيره عن هذه الصفة‏.‏ قاله عبد الله بن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والربيع، والضحاك، وقتادة، وكعب الأحبار، وسماك بن حرب، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم‏.‏

فلما تركه على هيئته وحالته، وانتهى فرعون، فرأى ما رأى، وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك، من أن هذا من فعل رب العرش الكريم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه، حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلداً، وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة، والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه، وعلى باطله تابعوه‏:‏

انظروا كيف انحسر البحر لي، لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي وبلدي، وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو، وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات، فذكروا أن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حايل، فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها، وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه، فاقتحم البحر، واستبق الجواد، وقد أجاد فبادر مسرعاً، هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضراً ولا نفعاً‏.‏

فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين، حتى همَّ أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه، فيما أوحاه إليه، أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينجُ منهم إنسان‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 65 - 68‏]‏ أي‏:‏ في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد، آية عظيمة، وبرهان قاطع، على قدرته - تعالى - العظيمة، وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة، والمناهج المستقيمة‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 90-92‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 316‏)‏

يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون، زعيم كفرة القبط، وأنه لما جعلت الأمواج تخفضه تارة، وترفعه أخرى، وبنو إسرائيل ينظرون إليه، وإلى جنوده، ماذا أحل الله به، وبهم من البأس العظيم، والخطب الجسيم، ليكون أقر لأعين بني إسرائيل، وأشفى لنفوسهم، فلما عاين فرعون الهلكة، وأحيط به، وباشر سكرات الموت، أناب حينئذ وتاب، وآمن حين لا ينفع نفساً إيمانها‏.‏

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 96-97‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 84- 85‏]‏‏.‏

وهكذا دعا موسى على فرعون وملائه، أن يطمس على أموالهم، ويشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا ‏{‏حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ أي‏:‏ حين لا ينفعهم ذلك، ويكون حسرة عليهم، وقد قال تعالى لهما أي‏:‏ لموسى وهرون حين دعوا بهذا ‏{‏قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا‏}‏ فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هرون عليهما السلام‏.‏

ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

لما قال فرعون‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏ قال‏:‏

‏(‏‏(‏قال لي جبريل‏:‏ لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر، فدسسته في فيه، مخافة أن تناله الرحمة‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم عند هذه الآية، من حديث حماد بن سلمة، وقال الترمذي حديث حسن‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قال لي جبريل‏:‏ لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون، مخافة أن تدركه الرحمة‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي وابن جرير، من حديث شعبة، وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب صحيح‏.‏

وأشار ابن جرير في رواية إلى وقفه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏

لما أغرق الله فرعون أشار بإصبعه، ورفع صوته‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏‏.‏

قال‏:‏ فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه، فجعل يأخذ الحال بجناحيه، فيضرب به وجهه فيرمسه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 317‏)‏

ورواه ابن جرير من حديث أبي خالد به‏.‏ وقد رواه ابن جرير من طريق كثير بن زاذان، وليس بمعروف، وعن أبي حازم، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قال لي جبريل‏:‏ يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه، مخافة أن تدركه رحمة الله، فيغفر له‏)‏‏)‏‏.‏

يعني‏:‏ فرعون‏.‏

وقد أرسله غير واحد من السلف، كإبراهيم التيمي، وقتادة، وميمون بن مهران‏.‏

ويقال‏:‏ إن الضحاك بن قيس، خطب به الناس‏.‏ وفي بعض الروايات‏:‏ إن جبريل قال‏:‏ ما بغضت أحداً بغضي لفرعون، حين قال‏:‏ أنا ربكم الأعلى، ولقد جعلت أدس في فيه الطين، حين قال ما قال‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ استفهام إنكار، ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك، لأنه - والله أعلم - لو رد إلى الدنيا كما كان، لعاد إلى ما كان عليه، كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار، وشاهدوها أنهم يقولون‏:‏ ‏{‏يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 27‏]‏‏.‏

قال الله‏:‏ ‏{‏بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 28‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 92‏]‏ قال ابن عباس وغير واحد‏:‏ شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم‏:‏ إنه لا يموت، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع، قيل‏:‏ على وجه الماء، وقيل‏:‏ على نجوة من الأرض، وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه، ليتحققوا بذلك هلاكه، ويعلموا قدرة الله عليه‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ‏}‏ أي‏:‏ مصاحباً درعك المعروفة بك ‏{‏لِتَكُونَ‏}‏ أي‏:‏ أنت آية ‏{‏لِمَنْ خَلْفِكَ‏}‏ أي‏:‏ من بني إسرائيل، دليلاً على قدرة الله الذي أهلكه‏.‏

ولهذا قرأ بعض السلف‏:‏ لتكون لمن خلقك آية‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد ننجيك مصاحباً لتكون درعك علامة لمن وراءك من بني إسرائيل، على معرفتك، وإنك هلكت، والله أعلم‏.‏ وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء‏.‏

كما قال الإمام البخاري في ‏(‏صحيحه‏)‏‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واليهود تصوم يوم عاشوراء‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 318‏)‏

 فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون

قال الله تعالى‏:‏

‏{‏فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 136-141‏]‏‏.‏

يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم، وكيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم، وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم، كما قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 59‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 5‏]‏ وقال ههنا‏:‏ ‏{‏وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 137‏]‏ أي‏:‏ أهلك ذلك جميعه، وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا، وهلك الملك وحاشيته وأمراؤه وجنوده، ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا‏.‏

فذكر ابن عبدالحكم في تاريخ مصر أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على رجالها، بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة، فكانت لهن السطوة عليهم، واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا‏.‏

وعند أهل الكتاب‏:‏ أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر، جعل الله ذلك الشهر أول سنتهم، وأمروا أن يذبح كل أهل بيت حملاً من الغنم، فإن كانوا لا يحتاجون إلى حمل، فليشترك الجار وجاره فيه

فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه على أعتاب أبوابهم، ليكون علامة لهم على بيوتهم، ولا يأكلونه مطبوخا ولكن مشوياً برأسه وأكارعه وبطنه، ولا يبقوا منه شيئاً، ولا يكثروا له عظماً، ولا يخرجوا منه شيئاً إلى خارج بيوتهم، وليكن خبزهم فطيراً سبعة أيام، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم، وكان ذلك في فصل الربيع‏.‏

فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة، وخفافهم في أرجلهم، وعصيهم في أيديهم، وليأكلوا بسرعة قياماً، ومهما فضل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار، وشرع لهم هذا عيداً لأعقابهم ما دامت التوراة معمولاً بها، فإذا نسخت بطل شرعها وقد وقع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 319‏)‏

قالوا‏:‏ وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط، وأبكار دوابهم ليشتغلوا عنهم، وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار، وأهل مصر في مناحة عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم، ليس من بيت إلا وفيه عويل، وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين، فحملوا العجين قبل اختماره، وحملوا الأزواد في الأردية، وألقوها على عواتقهم‏.‏

وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حلياً كثيراً فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري، بما معهم من الأنعام وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة‏.‏ هذا نص كتابهم وهذه السنة عندهم تسمى‏:‏ سنة الفسخ، وهذا العيد‏:‏ عيد الفسخ، ولهم عيد الفطير، وعيد الحمل، وهو أول السنة‏.‏

وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم، منصوص عليها في كتابهم، ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام، وخرجوا على طريق بحر سوف، وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم، فيه عامود نور، وبالليل أمامهم عامود نار، فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر‏.‏

فنزلوا هنالك وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين، وهم هناك حلول على شاطىء اليم، فقلق كثير من بني إسرائيل حتى قال قائلهم‏:‏ كان بقاؤنا بمصر أحب إلينا من الموت بهذه البرية‏.‏

وقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة‏:‏ لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا‏.‏

قالوا‏:‏ وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، وأن يقسمه ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس، وصار الماء من ههنا وههنا كالجبلين، وصار وسطه يبساً لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم، فجاز بنو إسرائيل البحر، واتّبعهم فرعون وجنوده، فلما توسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه، فرجع الماء كما كان عليهم‏.‏

لكن عند أهل الكتاب أن هذا كان في الليل، وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح، وهذا من غلطهم وعدم فهمهم في تعريبهم، والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذٍ، سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا التسبيح للرب، وقالوا‏:‏ نسبح الرب البهي، الذي قهر الجنود، ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود‏:‏ وهو تسبيح طويل‏.‏

قالوا‏:‏ وأخذت مريم النبية - أخت هارون - دفاً بيدها، وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف وطبول، وجعلت مريم ترتل لهن وتقول‏:‏ سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها، إلقاء في البحر، هكذا رأيته في كتابهم‏.‏

ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هرون وموسى مع قوله‏:‏ يا أخت هرون، وقد بينا غلطه في ذلك، وأن هذا لا يمكن أن يقال، ولم يتابعه أحد عليه‏.‏

بل كل واحد خالفه فيه، ولو قدر أن هذا محفوظ، فهذه مريم بنت عمران أخت موسى وهرون عليهما السلام، وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الاسم، واسم الأب، واسم الأخ، لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما سأله أهل نجران عن قوله‏:‏ ‏{‏يا أخت هرون‏}‏ فلم يدرِ ما يقول لهم، حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏

‏(‏‏(‏أما علمت أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم‏)‏‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 320‏)‏

وقولهم‏:‏ النبية، كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة، ومن بيت الإمرة أميرة، وإن لم تكن مباشرة شيئاً من ذلك، فكذا هذه استعارة لها لا أنها نبية حقيقة يوحى إليها، وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم، دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد‏.‏

وهذا مشروع لنا أيضاً في حق النساء، لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف، في أيام منى ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مولي ظهره إليهم ووجهه إلى الحائط‏.‏

فلما دخل أبو بكر زجرهن وقال‏:‏ أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا‏)‏‏)‏‏.‏ وهكذا يشرع عندنا في الأعراس، ولقدوم الغياب كما هو مقرر في موضعه، والله أعلم‏.‏

وذكروا أنهم لما جاوزوا البحر، وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة أيام، لا يجدون ماء، فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك فوجدوا ماء زعاقاً أجاجاً لم يستطيعوا شربه، فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه فحلاً، وساغ شربه وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا، ووصاه وصايا كثيرة‏.‏

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب‏:‏ ‏{‏وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 138‏]‏‏.‏

قالوا هذا الجهل والضلال، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام، وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون أصناماً، قيل‏:‏ كانت على صور البقر فكأنهم سألوهم لم يعبدونها، فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم، ويسترزقون بها عند الضرورات‏.‏

فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة، فقال لهم مبيناً لهم أنهم لا يعقلون ولا يهتدون‏:‏ إن هؤلاء متبر ما فيه وباطل ما كانوا يعملون‏.‏

ثم ذكرهم نعمة الله عليهم في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم، والشرع والرسول الذي بين أظهرهم، وما أحسن به إليهم وما امتن به عليهم من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد، وإهلاكه إياه، وهم ينظرون، وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملاؤه يجمعونه من الأموال والسعادة، وما كانوا يعرشون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 321‏)‏

وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له، لأنه الخالق الرازق القهار، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال‏.‏ بل هذا الضمير عائد على الجنس في قوله‏:‏ ‏{‏وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ‏}‏‏.‏

أي‏:‏ قال بعضهم كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 47-48‏]‏ فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فقلنا‏:‏

يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه النسائي، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق به‏.‏

ورواه الترمذي، عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري به‏.‏ ثم قال حسن صحيح‏.‏

وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق، ومعمر، وعقيل عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي‏:‏ أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، قال‏:‏ وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط‏.‏

قال‏:‏ فمررنا بسدرة خضراء عظيمة‏.‏

قال‏:‏ فقلنا يا رسول الله‏:‏ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط‏.‏

قال‏:‏ قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى‏:‏ ‏{‏اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

والمقصود أن موسى عليه السلام، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس، وجد فيها قوماً من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم، فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم، ومقاتلتهم، وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس‏.‏

فإن الله كتبه لهم، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل، أو موسى الكليم الجليل، فأبوا ونكلوا عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف، ألقاهم في التيه يسيرون ويحلون، ويرتحلون ويذهبون، ويجيئون في مدة من السنين طويلة، هي من العدد أربعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 322‏)‏

كما قال الله تعالى‏:‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ * يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 20-26‏]‏‏.‏

يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم، إحسانه عليهم بالنعم الدينية والدنيوية، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال‏:‏

‏{‏يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تنكصوا على أعقابكم وتنكلوا على قتال أعدائكم‏.‏

‏{‏فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ فتخسروا بعد الربح وتنقصوا بعد الكمال‏.‏

‏{‏قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ‏}‏ أي‏:‏ عتاة كفرة متمردين‏.‏

{‏وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ‏}‏ خافوا من هؤلاء الجبارين، وقد عاينوا هلاك فرعون، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأساً، وأكثر جمعاً، وأعظم جنداً، وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة، ومذمومون على هذه الحالة، من الذلة عن مصاولة الأعداء، ومقاومة المردة الأشقياء‏.‏

وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا آثاراً فيها مجازفات كثيرة باطلة، يدل العقل والنقل على خلافها، من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً، حتى إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم، تلقاهم رجل من رسل الجبارين، فجعل يأخذهم واحداً واحداً، ويلفهم في أكمامه وحجزة سراويله، وهم اثنا عشر رجلاً، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين، فقال‏:‏ ما هؤلاء‏؟‏ ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه‏.‏

وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها، وأن الملك بعث معهم عنباً كل عنبة تكفي الرجل، وشيئاً من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم، وهذا ليس بصحيح، وذكروا ههنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث ذراع‏.‏

هكذا ذكره البغوي وغيره وليس بصحيح، كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها، ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة، فخرقها صارت طوقاً في عنق عوج بن عنق، ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع، وطوله عشرة أذرع، وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع، فوصل إلى كعب قدمه فقتله‏.‏ يروى هذا عن عوف البكالي، ونقله ابن جرير، عن ابن عباس، وفي إسناده إليه نظر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 323‏)‏

ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل، فإن الأخبار الكذبة قد كثرت عندهم، ولا تميز لهم بين صحتها وباطلها‏.‏ ثم لو كان هذا صحيحاً لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم، وقد ذمهم الله على نكولهم، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم، ومخالفتهم رسولهم‏.‏

وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم، بالإقدام ونهياهم عن الإحجام ويقال إنهما‏:‏ يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا‏.‏ قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطية، والسدي، والربيع بن أنس، وغير واحد‏.‏

{‏قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ‏}‏ أي‏:‏ يخافون الله‏.‏ وقرأ بعضهم يخُافون أي‏:‏ يهابون‏.‏

{‏أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا‏}‏ أي‏:‏ بالإسلام، والإيمان، والطاعة، والشجاعة‏.‏

{‏ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ إذا توكلتم على الله، واستعنتم به، ولجأتم إليه نصركم على عدوكم، وأيدكم عليهم، وأظفركم بهم‏.‏

‏{‏قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد، ووقع أمر عظيم، ووهن كبير، فيقال‏:‏ إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما، وإن موسى وهرون سجدا إعظاماً لهذا الكلام، وغضباً لله عز وجل، وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة‏.‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 35‏]‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ اقض بيني وبينهم‏.‏

{‏قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏ عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض، يسيروا إلى غير مقصد ليلاً ونهاراً، وصباحاً ومساءً، ويقال‏:‏ إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة، ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب عليهما السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 324‏)‏

لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، لم يقولوا له كما قال قوم موسى لموسى، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير، تكلم الصديق فأحسن، وتكلم غيره من المهاجرين، ثم جعل يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أشيروا علي‏)‏‏)‏‏.‏

حتى قال سعد بن معاذ‏:‏ كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن يلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، وبسطه ذلك‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن مخارق بن عبد الله الأحمسي، عن طارق - وهو ابن شهاب - أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يا رسول الله‏:‏ إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ‏{‏فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ولكن‏:‏ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون‏.‏

وهذا إسناد جيد من هذا الوجه، وله طرق أخرى‏.‏

قال أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال‏:‏ قال عبد الله بن مسعود‏:‏ لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين فقال‏:‏

والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك، وسر بذلك‏.‏

رواه البخاري في التفسير والمغازي من طرق، عن مخارق به‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه‏:‏ حدثنا علي بن الحسن بن علي، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا حميد، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر، استشار المسلمين، فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار‏:‏

يا معشر الأنصار إياكم، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا‏:‏ إذا لا نقول له كما قال بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ والذي بعثك بالحق إن ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك‏.‏ رواه الإمام أحمد، عن عبيدة بن حميد، عن حميد الطويل، عن أنس به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 325‏)‏

ورواه النسائي عن محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، عن أنس به نحوه‏.‏

وأخرجه ابن حبان في ‏(‏صحيحه‏)‏، عن أبي يعلى، عن عبد الأعلى بن حماد، عن معتمر، عن حميد، عن أنس به نحوه‏.‏